الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (70): {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بما كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بما كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بما كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}{وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا دِينَهُمْ} الذي فرض عليهم وكلفوه وأمروا بإقامة مواجبه وهو الإسلام {لَعِبًا وَلَهْوًا} حيث سخروا به واستهزأوا، وجوز أن يكون المعنى اتخذوا الدين الواجب شيئًا من جنس اللعب واللهو كعبادة الأصنام وتحريم البحائر والسوائب ونحو ذلك أو اتخذوا ما يتدينون به وينتحلونه نزلة الذين لأهل الأديان شيئًا من اللعب واللهو. وحاصله أنهم اتخذوا اللعب واللهو دينًا، وقيل: المراد بالدين العيد الذي يعاد إليه كل حين معهود بالوجه الذي شرعه الله تعالى كعيد المسلمين أو بالوجه الذي لم يشرع من اللعب واللهو كأعياد الكفرة لأن أصل معنى الدين العادة والعيد معتاد كل عام ونسب ذلك لابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والمعنى على سائر الأقوال لا تبال بهؤلاء وامص لما أمرت به.وأخرج ابن جرير وغيره أن المعنى على التهديد كقوله تعالى: {ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: 11] و{ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} [الحجر: 3]، وقيل: المراد الأمر بالكف عنهم وترك التعرض لهم. والآية عليه منسوخة بآية السيف، وهو مروي عن قتادة. ونصب {لَعِبًا} على أنه مفعول ثان لاتخذوا وهو اختيار السفاقسي، ويفهم من ظاهر كلام البعض أنه مفعول أول و{دِينَهُمُ} ثان، وفيه إخبار عن النكرة بالمعرفة. ويفهم من كلام الإمام أنه مفعول لأجله واتخذ متعد لواحد فإنه قال بعد سرد وجوه التفسير في الآية: والخامس وهو الأقرب أن المحق في الدين هو الذي ينصر الدين لأجل أن قام الدليل على أنه حق وصدق وصواب فأما الذين ينصرونه ليتوسلوا به إلى أخذ المناصب والرياسة وغلبة الخصم وجمع الأموال فهم نصروا الدين للدنيا، وقد حكم الله تعالى عليها في سائر الآيات بأنها لعب ولهو. فالمراد من قوله سبحانه: {وَذَرِ الَّذِينَ اتخذوا} إلخ هو الإشارة إلى من يتوسل بدينه إلى دنياه. وإذا تأملت في حال أكثر الخلق وجدتهم موصوفين بهذه الصفة وداخلين تحت هذه الآية. اه. ولا يخفى أنه أبعد من العيوق فلا تغتر به وإن جل قائلة.{وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} أي خدعتهم وأطمعتهم بالباطل حتى أنكروا البعث وزعموا أن لا حياة بعدها واستهزأوا بآيات الله تعالى. وجعل بعضهم غر من الغر وهو ملء الفم أي أشبعتهم لذاتها حتى نسوا الآخرة وعليه قوله:{وَذَكّرْ بِهِ} أي بالقرآن. وقد جاء مصرحًا به في قوله سبحانه: {فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] والقرآن يفسر بعضه بعضًا. وقيل: الضمير لحسابهم، وقيل: للدين. وقيل: إنه ضمير يفسره قوله سبحانه: {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بما كَسَبَتْ} فيكون بدلًا منه واختاره أبو حيان. وعلى الأوجه الأخر هو مفعول لأجله أي لئلا تبسل أو مخافة أو كراهة أن تبسل.ومنهم من جعله مفعولًا به لذكر. ومعنى {تُبْسَلَ} تحبس كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وأنشد له قول زهير: وفي رواية ابن أبي حاتم عنه تسلم. وروي ذلك أيضًا عن الحسن ومجاهد والسدى واختاره الجبائي والفراء، وفي رواية ابن جرير وغيره تفضح. وقال الراغب: {تُبْسَلَ} هنا عنى تحرَمَ الثواب. وذكر غير واحد أن الإبسال والبسل في الأصل المنع، ومنه أسد باسل لأن فريسته لا تفلت منه أو لأنه متمنع، والباسل الشجاع لامتناعه من قرنه، وجاء البسل عنى الحرام. وفرق الراغب بينهما بأن الحرام عام لما منع منه بحكم أو قهر والبسل الممنوع منه بالقهر، ويكون بسل عنى أجل ونعم، واسم فعل عنى أكفف. وتنكير {نَفْسٌ} للعموم مثله في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] أي لئلا تحبس وترهن كل نفس في الهلاك أو في النار أو تسلم إلى ذلك أو تفضح أو تحرم الثواب بسبب عملها السوء أو ذكر بحبس أو حبس كل نفس بذلك، وحمل النكرة على العموم مع أنها في الإثبات لاقتضاء السياق له، وقيل: إنها هنا في النفي معنى، وفيما اختاره أبو حيان من التفخيم وزيادة التقرير ما لا يخفى.وقوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا} أي النفس {مِن دُونِ الله وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٍ} إما استئناف للإخبار بذلك أو في محل رفع صفة {نَفْسٌ} أو في محل نصب على الحالية من ضمير {كَسَبَتْ} أو من {نَفْسٌ} فإنه في قوة نفس كافرة أو نفوس كثيرة واستظهر بعض الحالية. ومن {دُونِ الله} متعلق حذوف وقع حالا من {وَلِيُّ}، وقيل: خبرًا لليس، و{لَهَا} حينئذ متعلق حذوف على البيان، ومن جعلها زائدة لم يعلقها بشيء، والمراد أنه لا يحول بينها وبين الله تعالى بأن يدفع عقابه سبحانه عنها ولي ولا شفيع.{وَإِن تَعْدِلْ} أي إن تفد تلك النفس {كُلَّ عَدْلٍ} أي كل فداء. و«كل» نصب على المصدرية لأنه بحسب ما يضاف إليه لا مفعول به، وقيل: إنه صفة لمحذوف وهو عنى الكامل كقولك: هو رجل كل رجل أي كامل في الرجولية والتقدير عدلًا كل عدل. ورد بأن كلا بهذا المعنى يلزم التبعية والإضافة إلى مثل المتبوع نعتًا لا توكيدًا كما في التسهيل ولا يجوز حذف موصوفة.وقوله تعالى: {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا} جواب الشرط، والفعل مسند إلى الجار والمجرور كسير من البلد لا إلى ضمير العدل لأن العدل كما علمت مصدر وليس أخوذ بخلافه في قوله تعالى: {لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا عَدْلٍ}[البقرة: 48] فإنه فيه عنى المفدى به، وجوز كون الإسناد إلى ضميره مرادًا به الفدية على الاستخدام إلا أنه لا حاجة إليه مع صحة الإسناد إلى الجار والمجرور، وبذلك يستغنى أيضًا عن القول بكونه راجعًا إلى المعدول به المأخوذ من السياق. وقيل: معنى الآية وإن تقسط تلك النفس كل قسط في ذلك اليوم لا يقبل منها لأن التوبة هناك غير مقبولة وإنما تقبل في الدنيا.{أولئك} أي المتخذون دينهم لعبًا ولهوًا المغترون بالحياة الدنيا {الذين أُبْسِلُواْ} أي حرموا الثواب وسلموا للعذاب أو بأحد المعاني الباقية للإبسال {ا كَسَبُواْ} أي بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة. واسم الإشارة مبتدأ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجة المشار إليهم في سوء الحال، وخبره الموصول بعده، والجملة استئناف سيق إثر تحذير أولئك من الإبسال المذكور لبيان أنهم المبتلون بذلك.وقوله سبحانه: {لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ} استئناف آخر مبين لكيفية الإبسال المذكور مبنى على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل: ماذا لهم حين أبسلوا؟ فقيل: لهم شراب من حميم أي ماء حار يتجرجر ويتردد في بطونهم ويتقطع به أمعاؤهم {وَعَذَابٌ أَلِيمٌ} بنار تشتعل بأبدانهم كما هو المتبادر من العذاب {ا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} أي بسبب كفرهم المستمر في الدنيا، ويطلق الحميم على الماء البارد فهو ضد كما في القاموس. وجوز أبو البقاء أن تكون جملة {لَهُمْ شَرَابٌ} حالًا من ضمير {أُبْسِلُواْ} وان تكون خيرًا لاسم الإشارة ويكون {الذين} نعتًا له أو بدلًا منه. وأن تكون خبرًا ثانيًا. واختار كما يشير إليه كلامه أن تكون الإشارة إلى النفوس المدلول عليها بنفس وجعلت الجملة لبيان تبعة الإبسال. واختار كثير من المحققين ما أشرنا إليه. وترتيب ما ذكر من العذابين على كفرهم مع أنهم معذبون بسائر معاصيهم أيضًا حسا ينطق به قوله سبحانه: {ا كَسَبُواْ} لأنه العمدة في أيجاب العذاب والأهم في باب التحذير أو أريد كما قيل بكفرهم ما هو أعم منه ومن مستتبعاته من المعاصي. .تفسير الآية رقم (71): {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)}{قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا} أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي أن المشركين قالوا للمؤمنين: اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: {قُلْ} إلخ. وقيل: نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حين دعاه ابنه عبد الرحمن إلى عبادة الأصنام. وفي توجيه الأمر إليه صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى من تعظيم شأن المؤمنين أو أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أي أنعبد متجاوزين عبادة الله تعالى الجامع لجميع صفات الألوهية التي من جملتها القدرة على النفع والضر ما لا يقدر على نفعنا أن عبدناه ولا على ضرنا إذا تركناه، وأدنى مراتب المعبودية القدرة على ذلك.وفاعل {نَدْعُواْ} وكذا ما عطف عليه من قوله سبحانه: {وَنُرَدُّ على أعقابنا} عام لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ولغيره وليس مخصوصًا بالصديق رضي الله تعالى عنه بناء على أنه سبب النزول. وفي الآية تغليب إذ لا يتصور الرد على العقب المراد به الرجوع إلى الشرك منه صلى الله عليه وسلم. والمعنى أيليق بنا معشر المسلمين ذلك. والأعقاب جمع عقب وهو مؤخر الرجل يقال: رجع على عقبه إذا انثى راجعًا. ويكنى به كما قيل عن الذهاب من غير رؤية موضع القدم وهو ذهاب بلا علم بخلاف الذهاب مع الإقبال؛ وقيل: الرد على الأعقاب عنى الرجوع إلى الضلال والجهل، شركًا أو غيره. والجمهور على الأول. والتعبير عن الرجوع إلى الشرك بالرد على الأعقاب كما قال شيخ الإسلام لزيادة تقبيحه بتصويره بصورة ما هو علم في القبح مع ما فيه من الإشارة إلى كون الشرك حالة قد تركت ونبذت وراء الظهر. وإيثار {نُرَدُّ} على نرتد لتوجيه الإنكار إلى الارتداد برد الغير تصريحًا خالفة المضلين وقطعًا لاطماعهم الفارغة وإيذانًا بأن الارتداد من غير راد ليس في حيز الاحتمال ليحتاج إلى نفيه وإنكاره.{بَعْدَ إِذْ هَدَانَا الله} أي إلى التوحيد والإسلام أو إلى سائر ما يترتب عليه الفوز في الآخرة على ما قيل. والظرف متعلق بنرد مسوق لتأكيد النكير لا لتحقيق معنى الرد وتصويره فقط وإلا لكفى أن يقال: بعد إذ اهتدينا كأنه قيل: أنرد إلى ذلك بإضلال المضل بعد إذ هدانا الله الذي لا هادي سواه. وليست الآية من باب التنازع فيما يظهر ولا أن جملة {نُرَدُّ} في موضع الحال من ضمير {ندعو} أي ونحن نرد وجوزه أبو البقاء.وقوله سبحانه: {الله كالذى استهوته الشياطين} نعت لمصدر محذوف أي أنرد ردًا مثل رد الذي استهوته إلخ.وقدر الطبرسي «أندعو دعاء مثل دعاء الذي» إلخ وليس بشيء كما لا يخفى، وقيل: إنه في موضع الحال من فاعل {نُرَدُّ} أي أنرد على أعقابنا مشبهين بذلك. واعترضه صاحب «الفرائد» بأن حاصل الحالية أنرد في حال مشابهتنا كقولك: جاء زيد راكبًا أي في حال ركوبه والرد ليس في حال المشابهة كما أن المجيء في حال الركوب.وأجاب عنه الطيبي بأن الحال مؤكدة كقوله سبحانه: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25] فلا يلزم ذلك، ولا يخفى أنه في حيز المنع. والاستهواء استفعال من هوى في الأرض يهوي إذا ذهب كما هو المعروف في اللغة كأنها طلبت هويه وحرصت عليه أي كالذي ذهبت به مردة الجن في المهامه والقفار. والكلام من المركب العقلي أو من التمثيل حيث شبه فيه من خلص من الشرك ثم نكص على عقبيه بحال من ذهبت به الشياطين في المهمه وأضلته بعد ما كان على الجادة المستقيمة. وليس هذا مبنيًا على زعمات العرب كما زعم من استهوته الشياطين. وادعى بعضهم أن استهوى من هوى عنى سقط يقال: هوى يهوي هويًا بفتح الهاء إذا سقط من أعلى إلى أسفل. والمقصود تشبيه حال هذا الضال بحال من سقط من الموضع العالي إلى الوهدة السافلة العميقة لأنه في غاية الاضطراب والضعف والدهشة. ونظير ذلك قوله تعالى: {مَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السماء} [الحج: 31] وفيه بعد وإن قال الإمام: إنه أولى من المعنى الأول مع أنه يتوقف على ورود الاستفعال من هوى بهذى المعنى، وجوز أبو البقاء في {الذي} أن يكون مفردًا أي كالرجل أو كالفريق الذي وأن يكون جنسًا. والمراد الذين. قرأ حمزة {استهواه} بألف ممالة مع التذكير.{ضَلَلْنَا فِي الأرض} أي جنسها. والجار متعلق باستهوته أو حذوف وقع حالا من مفعوله أي كائنًا في الأرض. وكذا قوله سبحانه: {حَيْرَانَ} حال منه أيضًا على أنها بدل من الأولى أو حال ثانية عند من يجيزها أو من {الذي} أو من المستكن في الظرف. وجوز أبو البقاء أن يكون الجار حالًا من {حَيْرَانَ} وهو ممنوع من الصرف ومؤنثه حيرى أي تائهًا ضالًا عن الجادة لا يدري ما يصنع.{لَهُ} أي للمستهوي {أصحاب} أرى رفقة {يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى} أي الطريق المستقيم أطلق عليه مبالغة على حد زيد عدل والجار الأول متعلق حذوف وقع خبرًا مقدمًا و{أصحاب} مبتدأ، والجملة إما في محل نصب على أنها صفة لحيران أو حال من الضمير فيه أو من الضمير في الظرف أو بدل من الحال التي قبلها. وإما لا محل لها على أنها مستأنفة، وجملة {يَدْعُونَهُ} صفة لأصحاب. وقوله سبحانه: {ائتنا} يقدر فيه قول على أنه بدل من {يَدْعُونَهُ} أو حال من فاعله.وقيل: محكي بالدعاء لأنه عنى القول. وهذا مبني على الخلاف بين البصريين والكوفيين في أمثال ذلك. والمشهور التقدير أي يقول ائتنا. وفيه إشارة إلى أنهم مهتدون ثابتون على الطريق المستقيم وأن من يدعونه ليس ممن يعرف الطريق ليدعى إلى إتيانه وإنما يدرك سمت الداعي ومورد النعيق. وقرأ ابن مسعود كما رواه ابن جرير وابن الأنباري عن أبي إسحق «بينًا» على أنه حال من الهدى أي واضحًا.{قُلْ} لهؤلاء الكفار {إِنَّ هُدَى الله} الذي هدانا إليه وهو الإسلام {هُوَ الهدى} أي وحده كما يدل عليه تعريف الطرفين أو ضمير الفصل وما عداه ضلال محض وغي صرف. وتكرير الأمر للاعتناء بشأن المأمور به أو لأن ما سبق للزجر عن الشرك وهذا حث على الإسلام وهو توطئة لما بعده فإن اختصاص الهدى بهداه تعالى مما يوجب امتثال الأوامر بعده {وَأُمِرْنَا} عطف على {إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} داخل معه تحت القول، واللام في قوله سبحانه: {لِنُسْلِمَ} للتعليل ومفعول {أَمْرُنَا} الثاني محذوف أي أمرنا بالإخلاص لكي ننقاد ونستسلم {لِرَبّ العالمين}، وقيل: هي عنى الباء أي أمرنا بالإسلام. وتعقبه أبو حيان بأنه غريب لا تعرفه النحاة، وقيل: زائدة أي أمرنا أن نسلم على حذف الباء، وقال الخليل وسيبويه ومن تابعهما: الفعل في هذا وفي نحو {يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ} [النساء: 26] مؤول بالمصدر وهو مبتدأ واللام وما بعدها خبره أي أمرنا للإسلام، وهو نظير تسمع بالمعيدى خير من أن تراه ولا يخفى بعده. وذهب الكسائي والفراء إلى أن اللام حرف مصدري عنى أن بعد أردت وأمرت خاصة فكأنه قيل: وأمرنا أن نسلم، والتعرض لوصف ربوبيته تعالى للعالمين لتعليل الأمر وتأكيد وجوب الامتثال به.
|